الدكتور محمد عمران يكتب: «الاستفادة من الهجرة النبوية في العصر الحديث»

في فجر التاريخ الإسلامي، كانت الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة المنورة حدثًا مفصليًا، لم يغيّر مجرى حياة المسلمين فحسب، بل غيّر وجه العالم بأسره. لقد كانت الهجرة النبوية لحظة فاصلة أنقذت البشرية من الظلام إلى النور، ومن عبادة الأوثان إلى توحيد الله، ومن الانقسام والجاهلية إلى الوحدة والتمدن، وهو ما تؤكده الدلائل الدينية والتاريخية على حد سواء.

وتمر الأعوام وتتجدد ذكرى الهجرة النبوية المباركة، لتذكرنا بأنها لم تكن حدثًا عابرًا في سجل التاريخ، بل مدرسة متكاملة للقيم والتخطيط والتغيير الحضاري.

وفي عصرنا الحديث، ومع ما يشهده العالم من تحديات سياسية واقتصادية وإنسانية، تبرز الهجرة النبوية كمصدر إلهام عظيم يمكن أن نستلهم منه رؤى للحاضر وبصائر للمستقبل.

التخطيط الاستراتيجي: النجاح لا يأتي صدفة

رغم أن النبي ﷺ كان يتلقى الوحي، فإن الهجرة لم تكن عشوائية، بل تمت بتخطيط محكم:

  • اختيار التوقيت المناسب بعد تأمين خروج المسلمين إلى المدينة.
  • الاستعانة بخبرات غير المسلمين مثل عبد الله بن أريقط كدليل للطريق.
  • التخفي في غار ثور ثلاثة أيام لتضليل المطاردين.
  • تنويع الطرق والأدوار بين سيدنا علي، وأسماء، وعبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهم اجمعين.
  • أهمية التخطيط المدروس في مواجهة الأزمات.
  • استخدام الموارد البشرية بذكاء، بغض النظر عن خلفياتها.
  • التفكير في المدى البعيد وليس الانفعال اللحظي.

التعايش وقبول الآخر: أساس بناء المجتمعات

عند وصول النبي ﷺ إلى المدينة، لم ينشئ مجتمعًا قائمًا على العصبية أو الانتقام، بل على التسامح والعيش المشترك:

  • وثيقة المدينة نظّمت العلاقات بين المسلمين واليهود وغيرهم.
  • مبدأ “لهم ما لنا، وعليهم ما علينا” أرسى دعائم دولة القانون

الأخوّة والتكافل: بناء إنساني متين

أسس النبي ﷺ نظامًا فريدًا يقوم على المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، مما جعل المدينة مجتمعًا متماسكًا خاليًا من الحقد الطبقي أو الاقتصادي.

. الهجرة سعي لا كهروب

لم تكن الهجرة فرارًا من الاضطهاد، بل كانت نقلة نوعية لبناء مجتمع جديد. الهجرة لم توقف العمل، بل بدأت مرحلة العطاء والتأسيس. لا بد أن ننظر للهجرة الداخلية والخارجية (سواء كانت اقتصادية أو سياسية) كفرص لبناء الذات والمجتمع. التغيير لا يكون باليأس، بل بالعمل المنظم وتحويل الألم إلى أمل

الهجرة… مشروع نهضة متجدد

الهجرة النبوية ليست فقط ذكرى نحتفل بها، بل مشروع حضاري متكامل فيه من الدروس ما يُعيننا على تجاوز أزماتنا المعاصرة، من التخطيط إلى إدارة التنوع، ومن التراحم إلى التعايش.

وإذا كنا نريد أن ننهض كأفراد ومجتمعات، فلنستلهم من دروس الهجرة، لا لنرويها فقط، بل لنجعلها أسلوب حياة ومعيارًا للتغيير الإيجابي

في الختام نوضح ان الهجرة لا تزال تلهم العالم

الهجرة النبوية ليست مجرد ذكرى، بل قصة خلاص وإعادة بناء، قصة رسول يحمل النور في قلب الظلام. أنقذت البشرية من الجهل والفرقة إلى نور التوحيد ووحدة المصير الإنساني. ولذا، كان اختيار سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبداية التقويم الإسلامي من عام الهجرة، اعترافًا بمكانة هذا الحدث كأعظم لحظة إنقاذ في تاريخ البشرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى